الطاهر الطويل
يقف أحدهم وسط المسجد، ويطلب من باقي المصلين التبرع بما يتيسر لهم من نقود لفائدة الإمام. إنه مشهد يتكرر سنويا خلال العشر الأواخر من شهر رمضان في العديد من مساجد المغرب. مشهد يبرره البعض بنوع من العرفان والتقدير تجاه الفقيه الذي أمّ الناس في صلاة التراويح طيلة الشهر الكريم، فيما يعتبره البعض الآخر حركة تضامنية مع الأئمة ومختلف القيّمين على المساجد الذين يتقاضون أجورا متدنية جدا، لا ترقى إلى نبل المهام الدينية التي يقومون بها.
ويثير المتتبعون ما يعتبرونها مفارقة غريبة، تتمثل في أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تعتبر من أغنى الوزارات بالمغرب، إنْ على مستوى ميزانيتها العامة السنوية، حيث بلغت هذا العام مليارين و334 مليونا و348 ألف درهم، أو على مستوى ما تتوفر عليه من أملاك وعقارات واستثمارات في إطار ‘الأوقاف’، بينما يعيش الكثير من أئمة المساجد والخطباء ومختلف القيمين الدينيين أوضاعا مالية مزرية. وتساءل بعضهم: ‘كيف تتحدث الوزارة الوصية على وجوب مسايرة الأئمة للحداثة والتقدم، وأن يندمجوا في سلك المجتمع وهم يعيشون تحت خط الفقر’. ويردّ مسؤول على ذلك بالقول: إن المنح التي يتقاضونها ما هي إلا منح تشجيعية فقط، باعتبارهم غير معترف بهم إداريا، وأن لا حق لهم في أية حقوق أخرى، معتبرا أن الساكنة هي من عليها أداء أجر عملهم بالمساجد.
وكان الأئمة والقيمون الدينيون قاموا قبل نحو شهرين، ولأول مرة، بالتظاهر في العاصمة الرباط وفي مدن مغربية أخرى، احتجاجا على أوضاعهم الاجتماعية المزرية. وإذا كانت هذه الأوضاع تلقى اهتماما إعلاميا من لدن الصحف المطبوعة والمواقع الإلكترونية، فإنها تُقابل بنوع من التجاهل والتعتيم على مستوى الإذاعات والتلفزيونات الرسمية. وفي هذا الإطار، أفاد مصدر إعلامي أن قناة ‘ميدي 1 تي في’ ألغت في آخر لحظة حلقة من برنامج ‘مواطن اليوم’ كانت مخصصة لأوضاع أئمة المساجد، وهو ما أثار استغراب واستنكار هذه الفئة التي اعتبرت أن ‘تكميم الأفواه وحجب الرأي الآخر سياسة فاشلة لا ينبغي اعتمادها في دولة المؤسسات والحق والقانون’، كما قال المتضررون ـ في بيان أورده موقع ‘هسبريس’ ـ انهم حين استفسروا عن سبب إلغاء الحلقة المشار إليها، عزت القناة المذكورة ذلك إلى تعرّضها لـ’ضغوط قاهرة من جهة نافذة’.
ويلاحظ أن الوزير أحمد التوفيق، المسؤول عن الأوقاف والشؤون الإسلامية، يتعامل بحساسية مفرطة مع مثل هذه الموضوعات، خلال إجاباته عن أسئلة النواب في البرلمان أو في البرامج الحوارية بالتلفزيون المغربي، إذ يحاول أن يقفل باب النقاش بالتأكيد على أن القطاع يندرج ضمن اهتمامات ‘إمارة المؤمنين’ (في إشارة إلى الصفة الدينية للعاهل المغربي)، موقف يفسره متتبعون بتعمّد الخلط بين السياسة والدين في أمور التسيير الحكومي. هذا الخلط هو ما يؤاخذ عليه الوزير التوفيق، مستشهدين أيضا بواقعة حدثت خلال حملة الاستفتاء على مراجعة الدستور أواخر حزيران (يونيو) 2011، حيث أجبر أئمة المساجد على تضمين خطب الجمعة دعوات للمواطنين للتصويت بـ’نعم’ على تلك الاستشارة الدستورية.
وتساءل أحد المراقبين: كيف يُمنَع بعض الأئمة من اعتلاء منابر الخطبة بـ’تهمة’ التحدث في السياسة، في حين يُجبَر الجميع على الخوض فيها، من خلال إلزامهم بقراءة خطب تتعلق بأحداث سياسية رسمية؟